ما هو حكم لبس الخاتم ؟
لبس الخاتم يندرج تحت أحكام اللباس التي هي في أصلها من أوصاف الجبلة والتي تخلو في الغالب من وصف التعبد الصرف فليست هي في ذاتها أفعالا تعبدية من جنس الأفعال التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريع أصالة كالصلاة والصيام ولذا لا يقال فيها "عبادة" هكذا بإطلاق لأنها أوصاف يجتمع فيها المتعبد وغيره بل قد يجتمع فيها المسلم والكافر.
وفهم هذا التفريق مهم جدا لأنه يتماشى بلاتناقض مع مقاصد التشريع ودلالات الأحكام وقد عزاه الإمام ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى إلى جمهور الصحابة والتابعين ومن تبعهم من المسلمين .
بل إن الخاتم قد ثبت فيه أن رسول الله إنما اتخذه لسبب كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ( لَمَّا أرَادَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَكْتُبَ إلى الرُّومِ، قالوا: إنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَاتَمًا مِن فِضَّةٍ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلى وبِيصِهِ، ونَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ ).
ولذا فإن الوصف الصحيح في الحكم على لبس الخاتم وغيره من الملبوسات التي هي من الجبلة أو التي قد تقتضيها العادة أو أسباب هي من خارج نطاق التشريع ( أخرج هذا الملبوسات الشرعية الصرفة كلباس الإحرام والجلباب للمرأة ونحوهما ) أن يقال فيها عبادات وسنن على وجه التأسي والتبع أي أنه إنما يكون وجه التعبد فيها من جهة نية المتأسي بالنبي صلى الله وعليه وسلم فيثبت فيها الأجر من تلك الجهة وليست من جهة ذات اللباس فقط .
وتتأكد هذه النية بأجرها فيما إذا كان الأمر مصحوبا بنص فيه بيان محبة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأمر كما هو في لبس القمص من حديث أم سلمة رضي الله عنها . ولا ينبغي أن تخلط هنا بين مسألتين لطالما كثر الخلط بينهما وهي مسألة وجوب ستر العورة على نحو شرعي ومسألة تخصيص لباس بعينه بدعوى أنه عبادة دون غيره للبس النبي صلى الله عليه وسلم له كالقميص مثلا فالأول هو من قبيل العبادات الصرفة والتي يختص بها المسلمون دون غيرهم فإن المتتبع لأدلة التشريع يعلم يقينا أن الشارع لم يأمر بستر العورة فقط بل أمر بسترها وزاد على ذلك بأن يكون ذلك الستر على نحو شرعي وهو أتم الستر وأكمله وهذا عام في الرجال والنساء على حد سواء كما هو في وصف جلباب المرأة المسلمة كذلك ولذا جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه (.. قال فقلنا يا رسولَ اللهِ إن أهلَ الكتابِ يتسروَلونَ ولا يأتزِرون فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تسرولوا وائتزِروا خالفوا أهل الكتاب ) والإزار و الرداء و القميص يجتمعون في أمور منها نفي تحجيم العورة بخلاف السراويلات - خاصة في موضع السجود ونحوه - فكل ما كان هذا حاله فهو قائم مقام هذه الألبسة المذكورة آنفا بل له نصيب من اسمها كذلك من وجه ومن ذلك الكرطة الباكستانية ونحوها فالشرعية فيها إنما هو لكيفية سترها للعورة لا إلى ذاتها بالاسم .
وأما تخصيص لبس بعينه - كالقميص - على أنه سنة تعبدية بذاتها وجعله في الحكم من جنس لبسة الإحرام فهذا من البعد بمكان لأن الظاهر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبسها لأن ذلك مما جبل عليه بل كان ذلك لبسه حتى قبل البعثة كما في حديث جابر في الصحيحين في قصة الإزار فلو كان الأمر شرعا من جنس لبس الإحرام لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا يكون من خلاله بيان معنا الإنتقال من المعنى الأصلي الجبلي إلى المعنى التعبدي الصرف كما هو الحال في أوصاف الصدق والحلم والغيرة وغيرها من خلال الفطرة التي وجدت مثلا في معاشر العرب قبل الإسلام ثم أثبتها الشارع شرعة في دين الإسلام وأنى يوجد مثل ذلك ؟!
أن لبس الخاتم من الأفعال العادية الجبلية وهو محمود في نفسه لأنه من تمام الزينة ونحن متعبدون بكمالها دائما وخاصة عند كل مسجد وهو كذلك مما يؤجر عليه العبد إذا صلحت نيته و صلاحها متمثل في حبه للنبي صلى الله عليه وسلم حتى التأسي به في هيئته ولعموم قول الله تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ولذا فقد اتخذ الصحابة الخواتم من بعده حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ألا ينقشوا بنقشه كذلك تواتر اتخاذ السلف للخواتم . ولكن ليس هو من جنس السنن الشرعية التي لا يتصور مجيئها إلا على سبيل الديانة كلبسة الإحرام فإذا هو أخف من ذلك . هذه هي خلاصة كلام كثير من أهل العلم في هذا الباب وهو مقتضى كلام الجمهور كما ذكرنا آنفا عن ابن تيمية الحفيد رحمه الله . والله أعلم .