February 28th 2022
Article ID : 621cc57801f4ab24a026adb0
تأصيلات تيمية وتقريرات علمية في تمييز سبل العلم والهدى والتجرد والسلفية من طرق الجهل والهوى والتقليد بالتبعية

قال ابن تيمية رحمه الله :


((.. الِاعْتِدَالَ الْمَحْضَ السَّالِمَ مِنْ الْأَخْلَاطِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لَكِنْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ فَهَكَذَا صِحَّةُ الْقَلْبِ وَصَلَاحُهُ فِي الْعَدْلِ وَمَرَضُهُ مِنْ الزَّيْغِ وَالظُّلْمِ وَالِانْحِرَافِ. وَالْعَدْلُ الْمَحْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُتَعَذِّرٌ عِلْمًا وَعَمَلًا وَلَكِنْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ هَذَا أَمْثَلُ وَيُقَالُ لِلطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى...))


قوله :( الِاعْتِدَالَ الْمَحْضَ السَّالِمَ مِنْ الْأَخْلَاطِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لَكِنْ الْأَمْثَلُ؛ فَالْأَمْثَلُ )


أي أن من يروم الاعتدال المحض المتكامل من جميع الوجوه من المكلفين إنما يروم محالا لأن ذلك لا يكون إلا عن معصوم ولو كلفنا به لكان من باب ما لا يطاق ، ولذا كان المطلوب شرعا من آحاد المكلفين إنما هو السعي في تحقيق الاعتدال في جميع الأمور ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وإن تخلل ذلك أخلاط من الظلم والجهل ، إذ أن المؤمن بطبيعته غير مبرئ من الأخطاء ولكنه رجاع للحق متتبع لمواضع العدل والإنصاف .


وقوله :( فَهَكَذَا صِحَّةُ الْقَلْبِ وَصَلَاحُهُ فِي الْعَدْلِ وَمَرَضُهُ مِنْ الزَّيْغِ وَالظُّلْمِ وَالِانْحِرَافِ)


أي أن القلب الصحيح هو من يسعى في مداواة نفسه بتصحيح مواضع الظلم والانحراف ليستقيم على العدل والإنصاف .فصار القلب الصحيح مرادفا لمعنى الحياة واليقظة والتصحيح والمحاسبة على أساس العدل وهو النور الذي تحيا به القلوب ، بينما حال القلب الميت هو الظلم والجهل والمرض والزيغ وهي الظلمات التي بها تموت القلوب كما قال تعالى : { أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ ..)


وقوله (..وَلَكِنْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ هَذَا أَمْثَلُ وَيُقَالُ لِلطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى)


فيه بيان معنى الطريقة السلفية من جهة السالك فيها وهو معنى آخر مغاير لمفهوم السلفية من جهة الطريقة المسلوكة . فالسلفية كطريقة تسلك إلى رب العباد ترادف معنى السنة والشريعة وهذه لا تكون إلا كاملة مبرأة من كل عيب وخلط .


أما من جهة سالكيها من المكلفين فإنه يعتريهم ما قدمه في كلامه آنفا وهي تلك الأخلاط الطارئة على العلم والعمل معا والتي يسعى المؤمن السلفي في تصحيحها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، لأنها تخالف ذلك المفهوم الذي ينتمي إليه كمنهاج وشريعة أي الطريقة السلفية .


وهو تقرير بأن هذه الأخلاط الطارئة لا تخرج صاحبها من مسمى الطريقة السلفية المثلى ما دام وأنه ساع في تصحيحها بسعيه في أسباب صحة القلوب المتمثلة بتتبع العدل وهو المتضمن للعلم النافع والعمل الصالح .


وفي هذا تقرير على أن من ينتمي للسلفية المثلى قد يصدر منه نوع خلط بسبب ظلم أو جهل أو غير ذلك ولكنه لا يفتر عن سعيه في إصابة الحق وتتبع العدل لأنه صحيح القلب .


فصار مفهوم السلفي السالم من الأخلاط متعذرا بقدر تعذر السلفية المثلى في قلب مريض لا يبالي بتتبع العدل بالسعي في إصلاح تلك الأخلاط .


وصارت السلفية المثلى مستلزمة لصحة القلوب بقدر استلزام القلوب تصحيح تلك الأخلاط الرديئة لتوصف بأنها صحيحة .


والله أعلم.


Share