السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخ . أحسن الله إليكم .
في بلدنا رجل يُنسب إلى العلم وله فتاوى شاذة . ويتبع هذا الرجل بعض الإخوان السلفين . ومن فتاويه أنه يقول إنه مستحب أن تصلى صلاة الجمعة في وقت صلاة العيد وكذا يصلون أولائك الإخوة كل أسبوع في أول النهار كصلاة العيد .
ومن استدلالات هذا الرجل ما يدور على رواية عبد الله بن سيدان رحمه الله : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار . فهو يجمع هذه الرواية مع الأقاويل من بعض التابعين مثل قول مجاهد رحمه الله : كل عيد للمسلمين قبل نصف النهار وقوله رحمه الله : ما كان للناس عيد إلا في أول النهار . فيقول نصف النهار في رواية عبد الله بن سيدان معناه نصف الوقت من شروق الشمس إلى زوالها فعلى هذا كانت صلاة وخطبة أبي بكر في أول النهار . ومن هذه الجهة سألت ذالك سؤالي السابق هل صحيح تحميل كلمة في النصوص معنى لا تسوغه لغة العرب مثل تحميل هذا الرجل للكلمة النهار
وهو أيضا يستدل بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه : وما كنا نتغدى ولا نقيل إلا بعد الجمعة . فالغداء عند العرب الطعام الذي يُأكل في أول النهار . فإذا ثبت أنهم لم يتغدوا إلا بعد الجمعة ثبت أنهم كانوا يصلونها في أول النهار .
وهو أيضا يستدل بالحديث : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة . يقول هذا دليل على أنه تستحب صلاة الجمعة في أول النهار .
فهو يشرح الأحاديث والآثار عن الصحابة على ما جاء من التابعين أن الأعياد كلها في أول النهار . وهو يقول الإستحباب إنما في صلاتها أول النهار أما بعد الزوال فيجوز للركعتين فقط يعني لا بد من أن يأذن وتبدأ الخطبة قبل الزوال . ويدعي أن لا يوجد حديث صحيح بل لا يوجد حديث موضوع دليل على ابتداء الخطبة بعد الزوال .
فما جوابكم عن هذه ؟
أعتذر لإطالة السوال شيخ . وأطلب منكم جوابا مفصلا .. جزاكم الله خيرا .
وعليكم سلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك
قولك : في بلدنا رجل يُنسب إلى العلم وله فتاوى شاذة
أقول : ثم إن نسبة الرجل إلى العلم مجردة من الانتساب إلى أهله لا تزيد عن كونها دعوى حتى تعرف نسبته إليهم باقتداء سبيلهم والمشي على منوالهم سواء في سبر الأحكام أو في التعامل مع الأدلة ، وهذا لاشك أنه مناف للشذوذ المذكور في ثنايا سؤالك .
بل إن التضاد بين مفهومي العلم والشذوذ في غاية من الوضوح والجلاء إذ أن إحدى غايات العلم السامية هي جمع الناس على الحق والهدى وتحبيبهم إليه وتثبيتهم عليه ولا يكون مثل هذا في شذوذ الأقوال قط . فهذه هي صفة الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا وهو وصف لازم لعلم الأنبياء وأصحابهم ومن تبعهم بإحسان يأخذونه كابرا عن كابر ولا يشذ عنهم إلا مخطئ . وهو مصداق لقول الله تعالى :{ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن یَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمࣰا لَّیۡسُوا۟ بِهَا بِكَـٰفِرِینَ (89) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰلَمِینَ (90) }.
فائدة : واعلم أن الشذوذ والإغراب العلمي في ذاته قبيح مرفوض في الفطر ناهيك عن موارد العلم ولذا لم يقبل حتى ممن صار إماما في العلم والعمل ولذا تجد أن الشاذ من أقوال الكبار مطرح فكيف بغيرهم فهذا هو الحافظ البحر العلامة الفقيه ابن حزم يقول فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله (.... وأبو محمد مع كثرة علمه وتبحره وما يأتي به من الفوائد العظيمة: له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه كما يعجب مما يأتي به من الأقوال الحسنة الفائقة ) !
قولك : ويتبع هذا الرجل بعض الإخوان السلفيين
أقول : وهذا تناقض آخر فمادة سلفي تعني اتباع من سلف على الهدى والعلم وهم العلماء السالفون والشذوذ لايكون إلا بخلافهم ، فصارت السلفية مستوجبة لاتباع العلماء لا الشذوذ عنهم والله المستعان .
والذي يظهر أن الرجل المقصود قد التبس عليه العلم حتى صار يظن أن انتحال بعض النصوص مهما خالفت عمل العلماء وأقوالهم هو من التمسك بها وصار يعني بمثل هذا لنفسه ومن معه أنه من التمسك بالآثار والأدلة وهذا سبيل السلف فصار شذوذه تمسكا بالسلفية !
ولذا قلنا مرارا وتكرارا إن التمسك بظواهر بعض النصوص السمعية والأثرية متجردة عن فهوم العلماء ووطرقهم في التأليف بينها هو عين الشذوذ والإغراب عن سبيلهم . وهذا ما حصل بصاحبك المذكور !
قولك : ومن فتاويه أنه يستحب أن تصلى صلاة الجمعة في وقت صلاة العيد وهكذا يصلي أولئك الإخوة كل أسبوع في أول النهار كصلاة العيد
أقول : فعله هذا دلالة واضحة على ضحالة الرجل المذكور فقهيا ودعويا .
أما ضحالته في الفقه تتمثل بملازمته قولا ليس عليه العمل عند أحد من العالمين وأما استحبابه ذلك فمحدث آخر من القول لأن من ذهب إليه من الأكابر وهم بعض الحنابلة وغيرهم إنما ذهبوا إلى جواز أدائها قبل الزوال لا إلى استحبابها هكذا بإطلاق ! ولا مثل له يحتذى به في العالمين حتى عند من يجيزه قبل الزوال فإنهم يجتمعون مع المسلمين بعد الزوال لأنه عندهم أفضل وخروجا من الخلاف ولكنهم لا يقولون به في أول وقت الضحى إلا من بعضهم على وجه التجوز والاحتمال لا غير !
وكأن هذا المدعي أدرك من العلم ما جعله أفقه من كل من في الدنيا اليوم ناهيك عن من سلف !
فلا يوجد أحد في العالمين يصلي الجمعة بعد شروق الشمس في أول وقت الضحى وهو الوقت المختار لصلاة العيد ولم يذكر هذا في عمل أحد من الفقهاء المعتبرين حتى من يجيز الجمعة قبل الزوال كما سيأتي ! ولذا فإن النووي عند أن ذكر المسألة والخلاف فيها قال وصلاتها بعد الزوال هو عمل المسلمين قاطبة ! يعني كأن الخلاف إنما هو في النظر أما العمل فكلهم بعد الزوال فتأمل !
وأما ضحالته دعويا فهي متمثلة في تمسكه بما يزعم استحبابه مع تخليه مما يجب عليه من نبذ الفرقة وأسبابها مع المجتمع المسلم ولا شك أن فعله هذا سبب لتنفير الناس عنه وعن أصحابه بل هو سبب عظيم لذلك لأنه يفارق المسلمين ويغايرهم في أداء شعيرة هي من أعظم الشعائر الإسلامية وهي صلاة الجمعة لأمر يراه يستحب في حقه فيضيع وحدة المسلمين واجتماعهم على أداء الفريضة ويعرض الدعوة للتنفير وغير ذلك من الأخطاء والسلبيات من أجل اجتهاد شاذ ليس له في العمل به على هذا النحو سلف معتبر !
وانظر الى هذا النص ليتبين لك انحراف المذكور دعويا وفكريا . قال ابن تيمية رحمه الله :
( فَالْعَمَلُ الْوَاحِدُ يَكُونُ فِعْلُهُ مُسْتَحَبًّا تَارَةً وَتَرْكُهُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَجَّحُ مِنْ مَصْلَحَةِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَتْرُكُ الْمُسْتَحَبَّ إذَا كَانَ فِي فِعْلِهِ فَسَادٌ رَاجِحٌ عَلَى مَصْلَحَتِهِ كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ لِعَائِشَةَ: { لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَلَأَلْصَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ } وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . فَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَهُوَ حِدْثَانُ عَهْدِ قُرَيْشٍ بِالْإِسْلَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنْفِيرِ لَهُمْ فَكَانَتْ الْمَفْسَدَةُ رَاجِحَةً عَلَى الْمَصْلَحَةِ . وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ الْأَئِمَّةُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ أَنْ يَدَعَ الْإِمَامُ مَا هُوَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ إذَا كَانَ فِيهِ تَأْلِيفُ الْمَأْمُومِينَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَصْلُ الْوِتْرِ أَفْضَلَ بِأَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةَ الْوِتْرِ وَهُوَ يَؤُمُّ قَوْمًا لَا يَرَوْنَ إلَّا وَصْلَ الْوِتْرِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْأَفْضَلِ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ الْحَاصِلَةُ بِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ بِوَصْلِ الْوِتْرِ أَرْجَحَ مِنْ مَصْلَحَةِ فَصْلِهِ مَعَ كَرَاهَتِهِمْ لِلصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْمُخَافَتَةَ بِالْبَسْمَلَةِ أَفْضَلَ أَوْ الْجَهْرَ بِهَا وَكَانَ الْمَأْمُومُونَ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ فَفَعَلَ الْمَفْضُولَ عِنْدَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُوَافَقَةِ وَالتَّأْلِيفِ الَّتِي هِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ كَانَ جَائِزًا حَسَنًا…. ) إلى قوله وَهَذَا الْبَابُ " بَابُ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى بَعْضٍ " ( إنْ لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ التَّفْضِيلُ وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ. فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ إذَا اعْتَقَدَ اسْتِحْبَابَ فِعْلٍ وَرُجْحَانَهُ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَجِدُهُ فِيمَنْ يَخْتَارُ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَيَرَاهَا شِعَارًا لِمَذْهَبِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا رَأَى تَرْكَ ذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلَ يُحَافِظُ أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّرْكِ أَعْظَمَ مِنْ مُحَافَظَتِهِ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَجِدُهُ فِيمَنْ يَرَى التَّرْكَ شِعَارًا لِمَذْهَبِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَيُوَسِّعَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُؤَلِّفَ مَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ وَيُرَاعِيَ فِي ذَلِكَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَعْلَمَ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بَعَثَهُ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَأَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا يَحْفَظُ بِهِ هَذَا الْإِجْمَالَ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُ هَذَا مُجْمَلًا وَيَدَعُهُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ : إمَّا جَهْلًا وَإِمَّا ظُلْمًا وَإِمَّا اتِّبَاعًا لِلْهَوَى . فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ والصالحين وحسن أولئك رفيقا ).
قولك : ومن استدلالات هذا الرجل رواية عبد الله بن سيدان رحمه الله : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار . فهو يجمع هذه الرواية مع الأقاويل من بعض التابعين مثل قول مجاهد رحمه الله : كل عيد للمسلمين قبل نصف النهار وقوله رحمه الله : ما كان للناس عيد إلا في أول النهار . فيقول نصف النهار في رواية عبد الله بن سيدان معناه نصف الوقت من شروق الشمس إلى زوالها فعلى هذا كانت صلاة وخطبة أبي بكر في أول النهار .ومن هذه الجهة سألت سؤالي السابق عن تحميل كلمة في النصوص معنى لا يسوغه لغة العرب مثل تحميل هذا الرجل كلمة النهار ..
أقول : إن أفضل ما يعلق به على هذا الكلام مع الاستدلال الذي ذكرت هو كلام صاحب عون المعبود أنقله لك مع التنبيه على أهم ما فيه . قال رحمه الله ( وأما صلاة الجمعة قبل الزوال فأخرج الدارقطني في سننه من طريق ثابت بن الحجاج الكلابي عن عبد الله بن سيدان السلمي قال : { شهدت يوم الجمعة مع أبي بكر وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر وكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره } قال في التعليق المغني : الحديث رواته كلهم ثقات إلا عبد الله بن سندان وقيل : سيدان . قال البخاري : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو القاسم اللالكائي : مجهول ، وقال ابن عدي : شبه المجهول . والحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان . قال الحافظ في الفتح : رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة . وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة قال: { صلى بنا عبد الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى وقال: خشيت عليكم الحر } وعبد الله بن سلمة صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر . قاله شعبة وغيره . وأخرج أيضا من طريق سعيد بن سويد قال : { صلى بنا معاوية الجمعة ضحى } وسعيد ذكره ابن عدي في الضعفاء . وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال : { كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد}. كذا في الفتح. وقال ابن تيمية في المنتقى: حديث عبد الله بن سيدان أخرجه الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، قال وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد بن زيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال. انتهى . وهذه الروايات استدل بها من ذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وإن كان بعد الزوال أفضل ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . قال النووي : قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزا ما قبل الزوال . انتهى . وقد أغرب أبو بكر بن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ . قال الحافظ : وقد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد . انتهى . وقال الشيخ العابد الزاهد عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين : ووقتها قبل الزوال في الوقت الذي تقام فيه صلاة العيد . انتهى . والحاصل أن صلاة الجمعة بعد الزوال ثابتة بالأحاديث الصحيحة الصريحة غير محتملة التأويل وقوية من حيث الدليل ، وأما قبل الزوال فجائز أيضا. والله أعلم .) . انتهى.
إذا يتبين لك مما سبق
قولك : وهو أيضا يستدل بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه : وما كنا نتغدى ولا نقيل إلا بعد الجمعة . فالغداء عند العرب الطعام الذي يُأكل في أول النهار . فإذا ثبت أنهم لم يتغدوا إلا بعد الجمعة ثبت أنهم كانوا يصلونها في أول النهار .
أقول : إن هذه دعوى مجردة وهي خطأ واضح فالغداء لا يعني الطعام في أول النهار فقط بل يعني ذلك وقد يعني طعام الظهيرة الذي في نصف النهار بل وقد يعني طعام السحور كذلك كما جاء عن ابن عباس . ولكنها في حديث سهل طعام الظهيرة لا غير بدليل أنها مقرونة بالقيلولة وهو في اللغة نوم نصف النهار الذي يعقب عمل وانشغال أول النهار .
والمقصود من الحديث هو أنهم كانوا يتغدون ويقيلون قبل الزوال إلا في يوم الجمعة فإنهم يؤخرون ذلك إلى بعد الزوال لأنهم يشغلون وقت الغداء والقيلولة المعتاد في التبكير إلى الجمعة تحصيلا للأجر . فهذا الحديث من أدلة التبكير إلى صلاة الجمعة وليس له شأن بوقت أدائها ويشهد لهذا الفهم الصحيح حديث أنس في البخاري فإنه قال ( كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ ) وقد ساقهما البخاري معا في باب القائلة بعد الجمعة ..فتأمل !
قولك : وهو أيضا يستدل بالحديث : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة . يقول هذا دليل على أنه تستحب صلاة الجمعة في أول النهار .
أقول : هذا نص يفهمه العلماء على أنه دليل صريح صحيح يعضد قول الجمهور في أن وقت الجمعة بعد الزوال وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خروج الإمام بعد الساعة الخامسة لا قبلها ولا تكون السادسة إلا آخر الزوال . وأما المذكور فيراه دليلا على إخراج الإمام قبل وقته الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يفهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم على نحو صحيح ربما لضعفه في اللغة والله أعلم .
قولك : فهو يشرح الأحاديث والآثار عن الصحابة على ما جاء من التابعين أن الأعياد كلها في أول النهار فهو يقول الاستحباب إنما في صلاتها أول النهار أما بعد الزوال فيجوز للركعتين فقط يعني لا بد من أن يأذن وتبدأ الخطبة قبل الزوال . ويدعي أن لا يوجد حديث صحيح بل لا يوجد حديث موضوع دليل على ابتداء الخطبة بعد الزوال .
أقول : قد تقدم الرد على جل هذا وقوله لا دليل الخ إنما هو استطراد في شذوذه وإلا فأهل العلم متفقون أن وقت الخطبة هو أول وقت الصلاة والتفريق بينهما في الوقت قول محدث وشذوذ ثالث من المذكور وقد جاء عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( كان يُصلِّي الجُمُعةَ حين تَميلُ الشمسُ )) وَوجْهُ الدَّلالَةِ هي في قولِه : (كان يُصلِّي...) إشعارٌ بالمواظبةِ على صلاةِ الجُمُعة في وقتِ الزَّوالِ والخطبة تدخل في ذلك في قولهم جميعا حتى على من يرى جواز التقديم وقد قال الله تعالى { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ } والنداء المذكور هو للخطبة والصلاة معا ومع ذلك قال الله تعالى " إذا نودي للصلاة " فدخلت خطبة الجمعة في حكم صلاة الجمعة ولذا يحرم فيها الكلام واللغو واللعب كما يحرم في الصلاة نفسها وهكذا بالنسبة لوقتها هو وقت الصلاة كذلك .
واعلم أن كلام العرب لا يفهم على النحو الذي يدعيه المذكور فيأخذ من المعاني ما وافق هواه ويعرض عن مرادفات أخرى لا تناسب هواه ، ناهيك عن كلام أفصحهم صلى الله عليه وسلم .
واعلم أن شذوذ المذكور قد ينسحب على مسائل وصور مختلفة من الأحكام لأن خلل الشذوذ في ذهنه يرجع إلى تأصيلات كلية فاسدة قد تندرج تحتها جزيئات كثيرة والله المستعان .
والواجب حمل الألفاظ الشرعية على حقائقها الشرعية ابتداء قبل اللغوية وأن ينظر في المحمل اللغوي على نحو لا يتعارض مع منظار الشرع فإن حصل فالشرع مقدم ولا يعارض المرادفات اللغوية بعضها ببعض بل يأخذ بمجملها على نحو تستقيم فيه معاني النصوص الشرعية .
وأذكرك بكلام ابن تيمية رحمه الله الذي ذكر فيه ماهية سير المذكور وخطرها على نفسه قبل غيره وفي هذا كفاية . وهذا كلامه مكررا وما تكرر تقرر : ( فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ إذَا اعْتَقَدَ اسْتِحْبَابَ فِعْلٍ وَرُجْحَانَهُ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَجِدُهُ فِيمَنْ يَخْتَارُ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَيَرَاهَا شِعَارًا لِمَذْهَبِهِ .)
والله أعلم .